الكفر بالطاغوت، وما الواجب على كل مسلم تجاه الطواغيت وقوانينهم
سلسلة النصائح الايمانية (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.وبعد؛
يقول الله عز وجل في سورة البقرة: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم}... والتوحيد هو أساس الايمان الذي تصلح به جميع الاعمال وتفسد بعدمه كما بينته الاية، وذلك أن التحاكم الى الطاغوت إيمان به [1].
وسبب ترك الحكم بما أنزل الله هو من عدة أمور سنبينها بإذن الله عز وجل في هذا الكتيب... وكذلك حكم من لم يحكم بما أنزل الله، ومن تحاكم الى غير شرع الله:
* * *
أولها: تعظيم المشرعين من قبل اهل الجهل:
قال تعالى: {اتخذوا أَحبَارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابَاً من دونِ والمسيحَ ابنَ مَريَم} [2].
فليست الاية خاصة بالنصارى بل تتناول كل من نهج نهجهم، (فمن خالف ما امر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الاسلام والايمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن فان الله تعالى أنكر على من اراد ذلك وكذّبهم في زعمهم الايمان لما في ضمن قوله {يزعمون}، من نفي إيمانهم، فان يزعمون إنما يقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب، لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها، يحقق هذا قوله: {وقد أُمروا أن يكفروا به}، لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيدكما في آية البقرة فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً) [3].
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو).
والغلو المُشاهد اليوم من عباد القوانين لهو خير دليل على هذا الكلام كالديموقراطية، فإنها اليوم صارت من أعظم المقدسات لدى كثير ممن قد انتسب الى الاسلام زوراً وبهتانا، وهم بذلك قد خرجوا من دائرة الاسلام وهم لا يشعرون والعياذ بالله.
والواجب على أهل الاسلام ان لا يجعلوا لأهل الكفر مدخلاً الى عقائدهم لكي لايفسدوها، يقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} [4].
* * *
ثانيها: الاستهزاء:
وهو الداء العضال وهو مصيبة اهل الكفر والشرك والنفاق، والعياذ بالله.
والاستهزاء نوعين كما ذكر العلماء:
1) الاستهزاء الصريح؛ وهو كقول النفر الذين تكلموا في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين قالوا لم نر مثل قرائنا ارغب بطونا واكذب السنة واجبن عند اللقاء، فانزل الله هذه الآيات التي في سورة التوبة: {وَلَئِنْ سَألتَهُم لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللهِ وَءَايَاتِهِ كُنتُم تَستَهزِءون*لا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعد إيمَانِكُم} [5].
ومنه نستفيد ان الاستهزاء يؤدي الى الشرك والكفر كما هو حال الأمم الماضية.
يقول الفوزان في هذه الآيتان: (تدل على أن الاستهزاء بالله كفر؛ وأن الاستهزاء بالرسول كفر؛وأن الاستهزاء بآيات الله كفر فمن استهزأ بواحد من هذه الامور فهو مستهزئ بجميعها.
والذي حصل من هؤلاء المنافقين أنهم استهزءوا بالرسول عليه الصلاة والسلاموصحابته فنزلت الآية. فالاستهزاء بهذه الامور متلازم؛ فالذين يستخفون بتوحيد الله تعالى ويعظمون دعاء غيره من الأموات.وإذا أُمروا بالتوحيد ونهوا عن الشرك استخفوا بذلك؛كما قال تعالى: {وإذا رأوك إن يتخذوك إلاّهزواً أهذا الذي بعث الله رسولا * إن كاد ليضلنا عن ءالهتنا لولآ أن صبرنا عليها}...
فاستهزءوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الشرك؛وما زال المشركون يعيبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم الى التوحيد؛لما في أنفسهم من تعظيم الشرك.. وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو الى التوحيد استهزأ بذلك لما عنده من الشرك، قال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله}...) انتهى كلامه [6].
ومنه قول اهل النفاق للذين يقاتلون في سبيل الله: {غر هؤلاء دينهم} [7].
ومن الامور المعروفة من الدين بالضرورة أن الاستهزاء بالدين ردة وخروج من الدين بالكلية، لما دلت عليه الآيتان السابقتان من سورة التوبة...
2) غير الصريح؛ وهو الذي لا ساحل له، مثل الرمز بالعين، وإخراج اللسان ومد الشفة والغمز باليد عند تلاوة كتاب الله عز وجل، أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [8].
يقول الشيخ الفوزان في كتاب التوحيد: (ومثل هذا ما يقوله بعضهم ان الاسلام لا يصلح للقرن العشرين، وإنما يصلح للقرون الوسطى، وأنه تأخر ورجعية وأن فيه قسوة ووحشية في عقوبات الحدود والتعازير، وأنه ظلم للمرأة وحقوقها حيث اباح الطلاق وتعدد الزوجات؛ وقوله م الحكم بالقوانين الوضعية أحسن للناس) انتهى [9].
يقول شيخ الاسلام ابن تيميه رحمه الله في اهل القبور: (وكثير منهم يخربون الساجد - أي تركهم لها - ويعمرون الشاهد، فهل هذا إلامن استخفافهم بالله وبآياته ورسوله وتعظيمهم للشرك) انتهى [10].
وكذلك طواغيت اليوم يعظمون قوانينهم العفنة النتنة الهزيلة ويدافعون عنها بكل ما استطاعوا من قوة، وكذلك أذنابهم طواغيت العرب والجزيرة خاصة يحاربون من اراد تحكيم شرع الله، وسبب ذلك تعظيمهم لهذه الدساتير النجسة واستهزائهم بشرع الله.
* * *
ثالثها: النفاق:
وهو اخطر الآفات على هذه الامة.
ذكر ابن القيم رحمه الله صفات المنافقين فقال: (وقد هتك الله أستار هؤلاء المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن الكريم وجلى لعباده أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول البقرة، المؤمنين والكفار والمنافقين، فذكر في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية، لكثرتهم، وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الاسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً، لأنهم منسوبون أليه وإلى نصرته ومولاته وهم أعداؤه في الحقيقة... يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح، وهو غاية الجهل والفساد) انتهى [11].
ولقد ذكرنا النفاق وجعلناه من أسباب ترك الحكم بما أنزل الله، لأن أهل النفاق غايتهم الفساد وخراب اهل الايمان - كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله - وهم اهل الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كما بينه الله لنا في سورة التوبة، يقول الله عز وجل: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون} [12].
فهؤلاء لو تمكنوا من إمرة الناس فمن باب أولى أن يكونوا ممن يحكمون بالهوى والضلال لخبثهم ومكرهم ضد الاسلام وأهله، ولبعدهم عن الله... والله اعلم.
* * *
رابعها: الفساد:
فهو داء عضال ومقت ووبال، يقول الله عز وجل: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} [13].
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية: (قال اكثر المفسرين: لا تفسدوا فيها بالمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله.. فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غير ه والشرك به هو أعظم فساد في الأرض، بل فساد الأرض بالحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره) انتهى.
ويقول أيضا في تفسير هذه الآية الكريمة: (وبالجملة فالشرك والدعوة الى غير الله وإقامة معبود غيره ومطاع متبع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ هو من أعظم الفساد في الأرض، ولا صلاح لها ولا لأهلها إلا بان يكون الله وحده هو المعبود، والدعوة له لا لغيره، والطاعة والأتباع لرسوله ليس إلا، وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول، فإذا أمر بمعصيته وخلاف شريعته فلا سمع له ولا طاعة... فإن الله أصلح الأرض برسوله ودينه، وبالأمر بتوحيده، ونهى عن إفسادها بالشرك به وبمخالفة رسوله) انتهى [14].
أقول وبالله الاستعانة:
ما أعظم فساد هذا الزمان حيث جُعل من سدنة القوانين الوضعية وأربابها هم اهل الطاعة وهم اهل الوصاية على هذا العالم وجُعل النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه ومن سار على نهجهم اهل الدمار والوحشية والتخلف، والمتهمون الأوائل بتهمة الإرهاب، وصناع الحروب. وهذا هو ديدن اهل الكفر ومن سار على خطاهم من عبادهم والمغترين بهم ممن انتسب الى هذا الدين زورا وبهتانا... والله أعلم.
* * *
خامسها: الإعراض عن شرع الله عز وجل، وعدم تعلمه وعدم العمل به:
يقول الله عز وجل: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [15].
يقول ابن القيم رحمه الله في تفسير هذه الآية: (والصحيح: أنه ذكره الذي أنزله على رسوله، وهو كتابه، من أعرض عنه قيض الله له شيطانا يضله عن السبيل ويحسب أنه على هدى) انتهى [16].
فهؤلاء المشرعين المعرضين عن كتاب الله وسنة رسوله، لسان حالهم ينطق بما يضمرون وأعمالهم تصدح بما يفعلون، بأن شرعنا ودستورنا هو من أفضل الشرائع واحسنها.