أين يقف المأموم المنفرد من الإمام ؟
عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام ، فأتيناه بتمر و سمن فقال :
" ردوا هذا في وعائه و هذا في سقائه فإني صائم " .
( عن أنس بن مالك ) :
قال : ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا ، فأقام أم حرام و أم سليم خلفنا ،
و أقامني عن يمينه ، - فيما يحسب ثابت - قال : فصلى بنا تطوعا على بساط ، فلما
قضى صلاته ، قالت أم سليم : إن لي خويصة : خويدمك أنس ، ادع الله له ، فما ترك
يومئذ خيرا من خير الدنيا و الآخرة إلا دعا لي به ثم قال : اللهم أكثر ماله و
ولده و بارك له فيه ، قال أنس : فأخبرتني ابنتي أني قد رزقت من صلبي بضعا
و تسعين ، و ما أصبح في الأنصار رجل أكثر مني مالا ، ثم قال أنس : يا ثابت ، ما
أملك صفراء و لا بيضاء إلا خاتمي ! " .
صحيح الصحيحة برقم ( 141 )
من فوائد الحديث وفقهه:
أن الرجل إذا أئتم بالرجل وقف عن يمين الإمام ، و الظاهر أنه يقف محاذيا له لا يتقدم عليه و لا يتأخر ، لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي ، لاسيما و أن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أفراد الصحابة قد تكرر ، فإن في الباب عن ابن عباس في الصحيحين و عن جابر في مسلم و قد خرجت حديثيهما في " إرواء الغليل " ( 533 ) ، و قد ترجم البخاري لحديث ابن عباس بقوله : " باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء ، إذا كانا اثنين " .
قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 160 ) :
" قوله : سواء " أي لا يتقدم و لا يتأخر ، و كأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه عن ابن عباس فلفظ : " فقمت إلى جنبه " و ظاهرة المساواة . و روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه ؟ قال : إلى شقه الأيمن ، قلت : أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر ؟ قال : نعم قلت : أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة ؟ قال : نعم . و في " الموطأ " عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : دخلت على عمر ابن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح ، فقمت وراءه ، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه " . قلت : و هذا الأثر في " الموطأ " ( 1 / 154 / 32 ) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه ، فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة ، فالقول باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلا ، كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل في ذلك لبعضها - مع أنه مما لا دليل عليه في السنة ، فهو مخالف لظواهر هذه
الأحاديث ، و أثر عمر هذا ، و قول عطاء المذكور ، و هو الإمام التابعي الجليل ابن أبي رباح ، و ما كان من الأقوال كذلك فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها ، معتقدا أنهم مأجورون عليها ، لأنهم اجتهدوا قاصدين إلى الحق ، و عليه هو أن يتبع ما ثبت في السنة ، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
عن ابن عباس قال :
" أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ و هو يصلي من آخر الليل ] فصليت خلفه ، فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه ،فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف قال لي " ما شأني ( و في رواية : ما لك ) أجعلك حذائي فتخنس ؟! " ، فقلت : يا رسول الله ! أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك ، و أنت رسول الله الذي أعطاك الله ، قال : فأعجبته ، فدعا الله لي أن يزيدني علما و فهما ، زاد أحمد : " قال : ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ ، ثم أتاه بلال فقال : يا رسول الله الصلاة . فقام فصلى ما أعاد وضوءا "
صحيح الصحيحة برقم ( 2590 ) و ( 606 )
فائدة ( 1 )
و فيه فائدة فقهية هامة ، قد لا توجد في كثير من الكتب الفقهية ، بل في بعضها ما يخالفها ، و هي : أن السنة أن يقتدي المصلي مع الإمام عن يمينه و حذاءه ، غير متقدم عليه ، و لا متأخر عنه ،خلافا لما في بعض المذاهب أنه ينبغي أن يتأخر عن الإمام قليلا بحيث يجعل أصابع رجله حذاء عقبي الإمام ، أو نحوه ، و هذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح ، و
به عمل بعض السلف ، فقد روى الإمام مالك في " موطئه " ( 1 / 154 ) عن نافع أنه قال : " قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات و ليس معه أحد غيري ، فخالف عبد الله بيده ، فجعلني حذاءه " . ثم روى ( 1 / 169 - 170 ) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة ، فوجدته يسبح ، فقمت وراءه ، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه ، فلما جاء ( يرفأ ) تأخرت فصففنا وراءه . و إسناده صحيح أيضا . بل قد صح ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم في قصة مرض وفاته حين خرج و أبو بكر الصديق يصلي الناس ، فجلس صلى الله عليه وسلم حذاءه عن يساره ، ( مختصر البخاري / 366 ) ، و من تراجم البخاري ( 57 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين ) . انظر المختصر ( 10 - كتاب الأذان ) و التعليق عليه .
فائدة ( 2 ):
و في الحديث من الفقه أن السنة أن الرجل الواحد ، إذا اقتدى بالإمام وقف حذاءه عن يمينه لا يتقدم عنه و لا يتأخر و هو مذهب الحنابلة كما في " منار السبيل "
( السلسلة الصحيحة ) الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني