وجوب السترة في الصلاة
عن كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض أهله يحدث عن جده قال:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ، و الناس يمرون بين يديه ، ليس بينه و بين الكعبة سترة . ( و في رواية ) : طاف بالبيت سبعا ، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ، و ليس بينه و بين الطواف أحد " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
ضعيف
و إذا عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة خاصة ، و بعضهم أطلق ، و من تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني المرور بين يدي المصلي و سترته ، و لا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال ، و ذلك لوجوه : الأول : ضعف الحديث . الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على المصلي أن يصلي إلى سترة و هي معروفة ، و كذا الأحاديث التي تنهى عن المرور كقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه " . رواه البخاري و مسلم و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 698 ) . الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم و بين موضع سجوده ، فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء . و لذلك قال السندي في " حاشيته على النسائي " : " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة . و به قيل ، و من لا يقول به ، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود ، أو
وراء ما يقع فيه نظر الخاشع " . و لقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا ، ثم جئت المقام ، فافتتحت الصلاة ، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني و بين موضع سجودي ، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده و هكذا !! و لقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة ، ثم أقبل علي منكرا ، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور ، و الآمرة بدفع المار ، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك ، فرددت عليه ، و اشتد النزاع بيني و بينه ، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم ، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون ! و احتج بعضهم بهذا الحديث ، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا ، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث ، و بيان علته . فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة و أثرها السيئ في الأمة . ثم وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة ، و أنها تشمل المرور في مسجد مكة ، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها :
1 - عن صالح بن كيسان قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة و لا يدع أحدا يمر
بين يديه ، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 91 / 1 ) و ابن عساكر ( 8 / 106
/ 2 ) بسند صحيح .
2 - عن يحيى بن أبي كثير قال : رأيت أنس بن مالك دخل المسجد الحرام ، فركز شيئا ، أو هيأ شيئا يصلي إليه . رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 7 / 18 ) بسند صحيح . ( تنبيه على وهم نبيه ) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا الحديث : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي بالركن ، فصلى ركعتين .... " . و قد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير " هذه الرواية ، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه " ! فاستدل به على استحباب صلاة ركعتين بعد السعي ، و هي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة و غيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " الطبعة الثانية ، و كذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج و
العمرة في الكتاب و السنة و آثار السلف " فقرة ( 69 )
الكتاب : السلسلة الضعيفة
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني