عدم مشروعية التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم
" توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم " .
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ( 1 / 76 ) :
لا أصل له .
و قد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في " القاعدة الجليلة " . و مما لا شك
فيه أن جاهه صلى الله عليه وسلم و مقامه عند الله عظيم ، فقد
وصف الله تعالى موسى بقوله : *( و كان عند الله وجيها )* ، و من المعلوم أن
نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى ، فهو بلا شك أوجه منه عند ربه
سبحانه و تعالى ، و لكن هذا شيء و التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم شيء آخر ،
فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم ، إذ أن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم
يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه ، و هذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل إذ
أنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها فلابد فيه من النقل
الصحيح الذي تقوم به الحجة ، و هذا مما لا سبيل إليه البتة ، فإن الأحاديث
الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين : صحيح و ضعيف ، أما
الصحيح فلا دليل فيه البتة على المدعى مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في
الاستسقاء ، و توسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم فإنه توسل بدعائه صلى الله
عليه وسلم لا بجاهه و لا بذاته صلى الله عليه وسلم ، و لما كان التوسل بدعائه
صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن كان بالتالي التوسل
به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن و غير جائز .
و مما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر توسلوا
بعمه صلى الله عليه وسلم العباس ، و لم يتوسلوا به صلى الله عليه وسلم ، و ما
ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع و هو ما ذكرناه من التوسل بدعائه
صلى الله عليه وسلم و لذلك توسلوا بعده صلى الله عليه وسلم بدعاء عمه لأنه ممكن
و مشروع ، و كذلك لم ينقل أن أحدا من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى ، ذلك لأن
السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إنى أسألك و أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ) .
و إنما السر الأكبر في دعائه صلى الله عليه وسلم له كما يقتضيه وعده صلى الله
عليه وسلم إياه بالدعاء له ، و يشعر به قوله في دعائه " اللهم فشفعه في " أي
اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم أي دعاءه في " و شفعني فيه " أي اقبل شفاعتي أي
دعائي في قبول دعائه صلى الله عليه وسلم في ، فموضوع الحديث كله يدور حول
الدعاء كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز ، فلا علاقة للحديث بالتوسل
المبتدع ، و لهذه أنكره الإمام أبو حنيفة فقال :
أكره أن يسأل الله إلا بالله ، كما في " الدر المختار " و غيره من كتب الحنفية
.
و أما قول الكوثري في مقالاته ( ص 381 ) :
و توسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكور في أوائل " تاريخ الخطيب " بسند صحيح
فمن مبالغاته بل مغالطاته فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب ( 1 / 123 ) من
طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي
يقول : إنى لأتبرك بأبي حنيفة و أجيء إلى قبره في كل يوم - يعني زائرا - فإذا
عرضت لي حاجة صليت ركعتين و جئت إلى قبره ، و سألت الله تعالى الحاجة عنده ،
فما تبعد عني حتى تقضى .
فهذه رواية ضعيفة بل باطلة فإن عمر بن إسحاق بن إبراهيم غير معروف و ليس له ذكر
في شيء من كتب الرجال ، و يحتمل أن يكون هو عمرو - بفتح العين - بن إسحاق بن
إبراهيم بن حميد بن السكن أبو محمد التونسى و قد ترجمه الخطيب ( 12 / 226 )
و ذكر أنه بخاري قدم بغداد حاجا سنة ( 341 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا
فهو مجهول الحال ، و يبعد أن يكون هو هذا إذ أن وفاة شيخه علي بن ميمون سنة
( 247 ) على أكثر الأقوال ، فبين وفاتيهما نحو مائة سنة فيبعد أن يكون قد أدركه
و على كل حال فهي رواية ضعيفة لا يقوم على صحتها دليل و قد ذكر شيخ الإسلام في" اقتضاء الصراط المستقيم " معنى هذه الرواية ثم أثبت بطلانها فقال ( ص 165 ) :
هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له معرفة بالنقل ، فالشافعي لما قدم بغداد
لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة ، بل و لم يكن هذا على عهد الشافعي
معروفا ، و قد رأى الشافعي بالحجاز و اليمن و الشام و العراق و مصر من قبور
الأنبياء و الصحابة و التابعين من كان أصحابها عنده و عند المسلمين أفضل من
أبي حنيفة و أمثاله من العلماء ، فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عنده ؟ ! ثم
( إن ) أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف و محمد و زفر و الحسن بن
زياد و طبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند أبي حنيفة و لا غيره ، ثم قد
تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور المخلوقين خشية
الفتنة بها ، و إنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه و دينه ، و إما أن يكون
المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف .
و أما القسم الثاني من أحاديث التوسل فهي أحاديث ضعيفة تدل بظاهرها على التوسل
المبتدع