::محاسبة النفس::
ومحاسبة النفس نوعان:
نوع قبل العمل ونوع بعد.
فأما النوع الأول
:فهو أن يقف عند أول همه وإرادته ، ولا يبادر للعمل حتي يتبين له رجحانه علي تركه.
قال الحسن رحمه الله : (( رحم الله عبداً وقف عند همه , فإن كان لله مضي ، و إن كان لغيره تأخر ))
وشرح هذا بعضهم فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهم به العبد
وقف أولاً ونظر :
هل ذلك العمل مقدور له أو غير مقدور ولا مستطاع ؟
فإن لم يكن مقدورا لم يقدم عليه ، وإن كان مقدوراً
وقف وقفة أخري ونظر :
هل فعله خير له من تركه، أو تركه خير له من
فعله
؟
فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه ، وإن كان الأول
وقف وقفة ثالثة ونظر :
هل الباعث عليه إرادة وجه الله -عز وجل- وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق ؟
فإن كان الثاني لم يقدم عليه ،
وإن أفضي به إلي مطلوبه ، لئلا تعتاد النفس الشرك ، ويخف عليها العمل لغير الله فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالي ،حتي يصير أثقل شئ عليها ،
وإن كان الأول وقف وقفة أخري ونظر
:
هل هو معان عليه ، وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاج لذلك أم لا ؟
فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه ، كما أمسك النبي -صلي الله عليه وسلم- عن الجهاد بمكة حتي صار له شوكة وأنصار ، وإن وجده معاناً عليه
فإنه منصور
ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال ، وإلا فمع إجتماعها لا يفوته النجاح .
فهذه أربع مقامات يحتاج إلي محاسبة النفس عليها قبل العمل
، فما كل ما يريد العبد فعله يكون مقدوراً له ،
ولا كل ما يكون مقدوراً له يكون فعله خيراً له من تركه ،
ولا كل ما يكون فعله خيرا من تركه يفعله لله ،
ولا كل ما يفعله لله يكون معاناً عليه ،
فإذا حاسب نفسه علي ذلك تبين له ما يقدم عليه ، وما يحجم عنه .
النوع الثاني
: محاسبة النفس بعد العمل ،
وهو ثلاثة أنواع :
أحدها
: محاسبتها علي طاعة قصرت فيها من حق الله تعالي ، فلم توقعها علي الوجه الذي ينبغي .
وحق الله تعالي في الطاعة ستة أمور تقدمت وهي
: الإخلاص في العمل ،والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه،وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .
فيحاسب نفسه
: هل وفي هذه المقامات حقها ؟ وهل أتي بها في هذه الطاعة ؟
الثاني
: أن يحاسب نفسه علي كل عمل كان تركه خيراً له من فعله .
الثالث :
أن يحاسب نفسه علي أمر مباح أو معتاد :
لم فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة ؟
فيكون رابحاً
,
أو أراد به الدنيا وعاجلها ؟
فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به .
منقول من إغاثة اللهفان للعلامة ((ابن قيم الجوزية