كثير من الناس ينظر إلى هذا الحديث -حديث تكفير الصلوات الخمس للخطايا- وينسى الحديث الآخر وهو أن هناك ما لا تكفره الصلاة, ولا الزكاة, ولا الصوم وهو حقوق العباد, لأن حقوق العباد لا تكفر إلا بأدائها إليهم أو بأخذ حسنات الآخذ، ولذلك فإذا اغتبت إنساناً ولم تستطع أن تتحلل منه فاذكره بالخير واثن عليه؛ فهذا يكافئ ذاك، لكن الخاسرين هم من قال الله عنهم: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:15] فأكبر خسارة هي خسارة الآخرة، أما الدنيا ففيها دراهم ودنانير, وفيها رهن وفيها شيء كثير، وكم من مؤمن ضيق الله عليه رزقه ابتلاءً؛ لكن يوم القيامة ماذا يعمل الإنسان وليس عنده إلا الحسنات أو السيئات؟! جنة أو نار, فيأتي بهذه الأعمال الصالحة فتوضع له, والله تعالى لا يظلم أحداً, وسوف نأتي -إن شاء الله- إلى وضع الميزان، وأن مذهب أهل السنة والجماعة الإيمان به وإثباته كما أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن له كفتين, وأن الأعمال توزن, وأن الأشخاص يوزنون كما قال تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:8] وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103] وقال أيضاً: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:8] والآيات والأحاديث في الميزان تدل على هذا الأصل من أصول أهل السنة والجماعة وهي اجتماع الحسنات والسيئات والموازنة والمفاضلة بينها؛ فمثلاً ربما يأتي الإنسان بصلاة, وصيام, وزكاة, بل ربما يأتي بجهاد ومعه غلول, أو يأتي بجهاد ومعه شرب خمر كما في قصة أبي محجن الثقفي مع سعد بن أبي وقاص فالنفس الإنسانية خلقها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مفطورة على أن يأتي منها هذا وهذا، وقل أن تتمحض لأحدهما.