وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}[28].
(3) أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكـن، سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}[29].
(4) أنه خالق الأشياء وموجدها، سبحانه وتعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[30].
هذا كله داخل في الإيـمان بالقدر، وهو أصل ثابت من أصول الإيـمان التي تقدم شرحها، وقد أخبر النبي عن هذا لـمَّا سأله جبرائيل عن الإيـمان قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر))[31]، اليوم الآخر تقدم أنه أخبر فيه عن الوقوف بين يدي الله والحساب والجزاء والجنة والنار، كل هذا داخل في اليوم الآخر ((وبالقدر خيره وشره)) يعني: أن الله عَلِمَ الأشياء وكتبها وأحصاها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وهو سبحانه وتعالى خالق كل شيء ورب كل شيء.
هذه الأصول الستة لا بد في حق المسلم أن يؤمن بها ويقتنع بها، وأنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير وبكل شيء عليم سبحانه وتعالى.
ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالقدر، وأن الله كتب كل شيء. سألوه قالوا: يا رسول الله إذا كان الله كتب كل شيء ففيمَ العمل؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكلٌ ميسر لـما خُلِقَ له، أما أهل السعادة فميسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ عليه الصلاة والسلام قوله تعالى في سورة والليل إذا يغشى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}[32]))[33].
هكذا بيَّن لهم صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أن الله قدّر الأشياء وكتبها، وأنه سبحانه الموفق والهادي لمن يشاء. فعلى العبد أن يعمل ويجتهد ويسأل الله التوفيق، ويأخذ بالخير؛ لأن الله تعالى أعطاه عقلاً يميز به بين الخير والشر، والهدى والضلال، وميزه عن البهائم بهذا العقل العظيم، فعليه أن يختار وله مشيئة وله إرادة، فعليه أن يختار الخير ويسأل ربه الهداية إليه ويأخذ به، وعليه أن يبتعد عن الشر ويسأل ربه العافية منه ويحذره ويُحذِّر غيره.
هكذا أمر الله تعالى العباد على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام أن يأخذوا بالخير ويلتزموه ويسألوا الله الهداية له والتوفيق لأخذه والتمسك به، وعليهم أن يحذروا الشر ويبتعدوا عنه ويسألوا الله العافية منه، هكذا علَّمهم صلى الله عليه وسلم.
ونكتفي في هذه الحلقة بهذا التعريف العام عن الإسلام، وفي الحلقة الأخرى – إن شاء الله – يكون فيه البحث عن شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل وعلموها الناس بعدما أخبروهم بالعقيدة التي يلزمهم أن يعتقدوها في الله عز وجل، وفيما أخبرت به الرسل عليهم الصلاة والسلام على وجه عام. أما التفصيل في الشرائع من الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وغيرها من الشرائع، وما شرعه الله من ترك المحارم، هذا له حلقة أخرى – إن شاء الله تعالى – نبين فيها جنس الشرائع، وأن الرسل بدأت بالعقائد التي تتعلق بالقلوب وبالإيـمان، ثم بيَّنوا شرائع الإسلام التي جاءت بها الرسل، وبينوها لهم عن أمر الله سبحانه وتعالى، ليعملوا بها ويأخذوا بها، وهي ما بين أفعال وأقوال يأخذ بها المكلف، وبين أعمال وأقوال يتركها.
فالشرائع: أفعال وتروك، أشياء تفعل، وأشياء تترك. وجاء محمد صلى الله عليه وسلم بأكملها وأتمها، وبعثه بما يتمم مكارم الأخلاق، ويأتي البحث فيها – إن شاء الله – في الحلقة الآتية.
وأسأل الله سبحانه أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يهدينا صراطه المستقيم إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كلمة توجيهيه لسماحته صدرت برقم 2350/ خ في تاريخ 19/12/1419هـ.
[2] سورة آل عمران، الآية 19.
[3] سورة آل عمران، الآية 85.
[4] سورة النحل، الآية 36.
[5] سورة الأعراف، الآية 59.
[6] سورة الأعراف، الآيات 65، 73، 85. وسورة هود، الآيات 50، 61، 84، وسورة المؤمنون الآيتان 23، 32.
[7] سورة طه، الآية 98.
[8] سورة المائدة، الآية 117.
[9] أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث ربيعة بن عباد الديلي رضي الله عنه برقم 15593 بلفظ: "يا أيها الناس...."، وابن حبان 14/6562.
[10] سورة القصص، الآية 15.
[11] سورة البقرة، الآية 136.
[12] سورة الأعراف، الآيتان، 156، 157.
[13] سورة الأعراف، الآية 158.
[14] سورة سبأ، الآية 28.
[15] سورة النساء، الآية 165.
[16] سورة آل عمران، الآية 19.
[17] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول برقم 1844.
[18] أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، باقي مسند أبي هريرة برقم 8729.
[19] سورة الأنبياء، الآية 26.
[20] سورة فاطر، الآية 36.
[21] سورة الحجر، الآيات 45- 48.
[22] سورة الزخرف، الآيات 74- 77.
[23] سورة فاطر، الآية 36.
[24] سورة طه، الآية 74.
[25] سورة العنكبوت، الآية 62.
[26] سورة الطلاق، الآية 12.
[27] سورة الحج، الآية 70.
[28] سورة الحديد، الآية 22.
[29] سورة الأنعام، الآية 112.
[30] سورة الزمر، الآية 62.
[31] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} برقم 4777، ومسلم في كتاب الإيـمان، باب بيان الإيـمان والإسلام والإحسان برقم 8.
[32] سورة الليل، الآيات 5 -10.
[33] أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} برقم 4949، ومسلم في كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمـه برقم 2647.