هموم داعية
تعاني المجتمعاتالإسلامية من وجود طائفة من الشباب الذين لا همَّ لهم سوى النقد اللاذع غير المشروع لغيرهممن الدعاة والعلماء دون النظر فيصرائح الكتاب والسنة المُحَرِّمة هذه المسالكالعدوانية الشيطانية.
وممايؤسف له أن بعض الشباب يصورون لبعض أبناءالمسلمين أن الدين لا يقوم إلا بهذاالمسلك الخطير ، والعجب العجاب أن هناك ناشئةًقريبةَ عهد باستقامة تصادف مثل هؤلاءالشباب فتغويهم بهذا المسلك ، فيبدئون معهمبتحذيرهم من بعض الدعاة والمصلحين بدعوىالتحزب والتطرف قبل تعليمهم التوحيد والطهارةوالصلاة وما يجب عليهم تجاهإخوانهم.
ولا يعني ذلك أن التحذير من التحزب والتطرف أمريُزهَّدُ فيه ، بلقد يكون واجباً ،ولكن لهذا الميدان أعيانه من العلماء متى تحقق أن آحاد بعضالمسلمين أو مجموع تلكم الأحاد قد صار متحزباًتحزباً ينافي التشرع المطهر ، أمَّاوالأمور قائمة على سوء الظن والتعصب لفلان منالناس وآرائه فلا شك أن هذا تعنتٌممقوت لا يحق لعاقلٍ أن يتشبث به ، والأصلح أنينشغل بخاصة نفسه وإلا كان مرتكباًلوزر عظيم.
إن أهل السنة والجماعة [ الجماعة السلفية ] دينالحق والإستقامة تمرفي عصرها الحاضربنماذج كثيرة من الانقسامات والتشطيرات التي كان سببها التطرفوالتعصب غير المبني على العلم والإنصاف ، فالصديقالفلاني صار اليوم عدواً ، والعدوالذي كان بالأمس أصبح صديقاً حميماً ، لكن السؤالما هو الذي حول العدو إلى صديق ،والصديق إلى عدو ؟
والجواب : المصالح المشتركة لا أقول : دنيوية بحتة لأني أنزه هؤلاء الدعاة أن يكونواماديين مهما كان الخلاف حاداً ، ولكنأقول مصالح في الرأي، أو طلب الرفعة قبل حلولها، ففلانرجع إلى قولي ، أو أنه وافقني باسقاط الداعيةالفلاني الذي وقع في خطأ سواء كانصغيراً أو كبيراً صار صديقاً لي ، لكن صديقي الذيكان حميماً لي قديماً صار عدواًبلربما أشر من أبليس لأنه لم يقل فلان مبتدع بنحو قولي أو لأنه سكت عن إظهار موقفهمن فلان ، وهذا ميزان شخصي أماالميزان الشرعي فيقول : " وَلاَ تَقْفُ مَالَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَوَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَكَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (1).
وعن علي بن حسين قال : قال رسول الله : " إن من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه " (2).
ويروى عن قيسقال " رأيت أبا بكر آخذاً بطرف لسانه ، ويقول هذاالذي أوردني الموارد " ونحو ذلك من الآيات والأحاديثوالآثارالسلفية.
إذن المسألة شرعية قائمة على علمٍ ودينٍ لا شخصيةلأن تصنيف الناس أمرخطير من المسائلالتي فيها الجمر تحت الرماد.
ولا يعني ذلك أن هؤلاء النفر يجبهجرتهم أبد الدهر ، بل يجب الأخذ بأيديهم ونصحهموحوارهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن ،يقوم بذلك الناقد البصير الحكيم في أقوالهوأفعاله بحيث يطغى عليه حب هدايتهم علىاسقاطهم واظهار عوارهم للأمة ، لأنهم إخواننا لهمما لنا وعليهم ما علينا سواءعُرِفُوا بعلم أم لا ، وفي الحديث : " فوالله لأن يهدى الله بك رجلاًواحداً خير لك من حمر النعم" (3).
يبقى همُّ الداعية قائماً متى كانباب الحوار مغلقاً مع هؤلاء الدعاة أو الشبابالذين غلبوا جانب الشدة علىاللين.
أقول لهؤلاء الدعاة ليست الدعوة مسألة أتباعلتكثير السواد ولكنها مسألةدينيسألك عنه رب العالمين ، ولا يظن هؤلاء الأفاضل أنَّ ما يُنقل إليهم عن بعضإخوانهم من أهل العلم من المساوئوعدم توجيه هؤلاء النقلة لما يصلح حالهم خير لهمبل هو شر لهم ويجب عليهم أن يناصحوهم وأن يذبواعن إخوانهم الدعاة وإلا أبتلوا بذلكبل وأمرُّ منه.
الواجب عليكم يا من أقمتم أنفسكم مقام المنافح عنالدين والسلفأن تردوا " عن عرضأخينا المسلم إذا استغابه أحد ... حسب الطاقة ، وهذا العهد قدصار غالب الناس يخل بالعمل به حتى بعض مشايخالعصر من العلماء والصلحاء فتراهميسكتون على غيبة أخيهم وربما اشتفوا بذلك فينفوسهم وهذا من أقوى الأدلة على عدمفطامهم عن محبة الدنيا على يد شيخ ناصح ، فإنمحبة الدنيا بحب الانفراد فيهابالمقام ومحبة الصيت والشهرة والكمال وبكره منيعلوه في ذلك فهو يتوهم بغيبة الناسلمن يعلوه أن الناس إذا نقصوه يزول اعتقادهم فيهويعكفون على اعتقادهم له هو ،وغابعنه أن من نوى شيئاً أو فعله رجع عليه نظيره ، ولو أنه تَشَوَّشَ ممناستغاب أخاه المسلم لزاده الله تعالى رفعة علىأقرانه كلهم لأن الحماية إنما هي منالله تعالى لا من الخلق " (4) ، والله ولي المتقين.
المصدر :
http://www.baidhani.com/modules.php?name=Content&pa=showpage&pid=161---------
1 : سورة [1]لإسراء ، الآية رقم ( 36).
2: أخرجه الترمذي وغيره ، والحديثحسن.
3 : متفق عليه.
4 : العهود المحمدية (ص204) بتصرف.