بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
متابعة - سليمان الصالح:
أكد عدد من الدعاة أن الصبر نعمة عظيمة وكنز ينال به المسلمون الفلاح في الدنيا والآخرة وقال المشاركون في ندوة جامع الإمام تركي بن عبدالله بالرياض والتي ناقشت فضل الصبر وثماره. إنه لا فلاح ولا عمل صالح ولا دعوة إلى الله ولا جهاد في سبيل الله ولا أمر بالمعروف ولا نهي عن منكر إلا بالصبر.
فقد أمر الله أنبياءه وعباده والمؤمنين بالصبر، وأثنى على الصابرين وقدم لنا القرآن الكريم نماذج رائعة عن الصبر ومنها صبر أيوب وصبر يعقوب عليهما السلام وصبر أولي العزم من الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وشدّد المشاركون في الندوة على أهمية الصبر في ميدان الدعوة إلى الله فثمار ذلك ونتائجه عظيمة في خدمة دين الله والعكس فإن افتقاد الصبر تنعكس نتائجه السلبية على الداعي وعلى المدعو معاً.
وقد شارك في ندوة الجامع الكبير كل من فضيلة الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن الجربوع أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية وفضيلة الدكتور بدر بن ناصر البدر أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
أعظم الصابرين محمد صلى الله عليه وسلم
في بداية الندوة بيّن فضيلة الدكتور بدر بن ناصر البدر مفهوم الصبر وأنواعه، مشيراً إلى أن الصبر تنزلت به آيات كثيرة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة، ولو أحصينا الآيات التي تكلمت عن الصبر لوجدناها أكثر من مئة آية، والصبر من الأمور المهمة التي ينبغي الحديث عنه والتذكير به دائماً، لأن الإنسان معرض في حياته لضعف وخور وهموم ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وما يبتلى به الإنسان من مصائب وابتلاءات.
وكذلك صبر الإنسان على الضعف الذي يصيبه إما في طاعة الله أو ضعف أمام مغريات الحياة ومشتهياتها المحرمة فالإنسان يحيط به شياطين الجن والإنس ويحمل بين ضلوعه نفساً قد تكون أمَّارة بالسوء. ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو أعظم الصابرين وأشد الناس صبراً في دين الله جلَّ وعلا. فهو الذي بلغ هذا الدين وصبر على ما لقيه لتبليغ دعوته بدءاً من حياة اليتم وما بعد ذلك من حياته عليه الصلاة والسلام إلى أن نزل عليه الوحي وأمر بتبليغ الدعوة وما كان من أذى قريش له معنوياً وجسدياً وهو القائل عليه الصلاة والسلام: "أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية" فلا فلاح ولا سعادة ولا نجاح في الدنيا والآخرة إلا بالصبر، فالصبر أساس ودعامة في حياة المسلم ومن صبر وجد الخير في الدنيا والآخرة وقد حثت آيات القرآن الكريم على الصبر ومبينة أهميته قال تبارك وتعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] .
ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] . هذه المعية كما قال أهل العلم هي المعية الخاصة التي مقتضياتها النصرة والتأييد والحفظ والرعاية وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (157) [البقرة: 155 - 156] . فالذين ابتلوا في الدنيا عليهم الإكثار من قوله سبحانه: { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } ومن السنة "اللهم أجرني في مصيبتي وأخلفني خير منها"
مجالات الصبر
أما مجالات الصبر فهي كثيرة، ومن ذلك الصبر على أقدار الله جلَّ وعلا فالإنسان قد يبتلى بالمحن والمصائب، فقد حبيب أو مرض أو خسارة في تجارة وغير ذلك. ولا تخلو الدنيا من مثل هذه الابتلاءات والإنسان ليس عليه إلا أن يصبر ويحتسب والقرآن أورد لنا نماذج من الصابرين ومنهم نبي الله أيوب عليه السلام الذي فقد أهله وابتلي في جسده فصبر وضرب المثل بصبره ودعا ربه بدعاء عظيم {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] . قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84] .
ومن الأمثلة على الصبر، صبر يعقوب عليه السلام الذي استسلم لأمر الله وفوَّض أمره إليه جلَّ وعلا. ومن أمثلة الصبر ما حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام فقد ابتلي في عرضه واتهمت زوجه عائشة رضي الله عنها بارتكاب الفاحشة وبرأها الله من فوق سبع سماوات، وما ابتلي به عليه الصلاة والسلام من السحر الذي شفاه الله منه وهو خير الصابرين عليه الصلاة والسلام وأيضاً فقده لابنه إبراهيم.
الصبر على طاعة الله
ومن مجالات الصبر: الصبر على المعصية وعلى مشتهيات النفس وما تميل إليه من المتع واللذات والتي يكون فيها حرام والإنسان محاط بالبدعة والشياطين والإنس والجن والمسلمون يتعرضون لغزو فكري وثقافي وقنوات فضائية تعرض المنكرات والفواحش ليل نهار. فالمسلم التقي يعرض عن هذا كله ويصبر ويحتسب، فلا شك أن ما يموج به عصرنا الحاضر من فتن ربما لم تكن موجودة فيما سبق، لا شك أنها تحتاج إلى صبر ومصابرة { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران: 186] .
ومن مجالات الصبر: الصبر على طاعة الله تبارك وتعالى، فالتوفيق والمنّة والهداية من الله تبارك وتعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } [القصص: 56] . ولكن لا بد أن تصبر، فالإنسان يصبر ويجاهد نفسه على صلاة الليل وعلى صيام النفل مثل الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، ويصبر ويجاهد نفسه في المحافظة على صلاة الجماعة وعلى تلاوة القرآن وعلى حضور الدروس العلمية ومثل هذه المحاضرات والندوات وفي ذلك فضل كبير -بإذن الله- {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (
[الزلزلة] . وجاء في الصبر على العبادة قوله تعالى: {$ّأًمٍرً أّهًلّكّ بٌالصَّلاةٌ $ّاصًطّبٌرً عّلّيًهّا} [طه: 132]. وقوله تعالى: { فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } [مريم: 65] . ولم يقل اصبر زيادة في المبنى والمعنى.