مفتي أثيوبيا .. ننفض غبار سنوات طويله من المعاناه .

مفتي أثيوبيا: ننفض غبار عقود طويلة من المعاناة

حوار / عبد الرحمن أبو عوف 2/2/1428
20/02/2007

أكد الشيخ عمر إدريس مفتي إثيوبيا أن مسلمي إثيوبيا نفضوا غبار عقود طويلة من المعاناة والتهميش التي واجهوا فيها الأمرّين على يد حكام أثيوبيا السابقين الذين نظروا إلى المسلمين كأعداء لهم، فمارسوا فيهم القتل والتصفية وتدمير المساجد لمدة طويلة، فضلاً عن حرمان مناطق المسلمين من أي خطط تنموية.
وتابع الشيخ عمر إدريس في حوار مع (الإسلام اليوم) على الرغم من تغيير الأوضاع وصياغة دستور جديد يسوي بين معتنقي الأديان، إلاّ أن معاناة المسلمين مستمرة؛ إذ ما زالوا يواجهون التهميش، ولا يلعبون دورًا سياسيًا يتناسب مع كونهم يشكّلون الأغلبية في المجتمع الإثيوبي.
لفت الشيخ إدريس إلى أن الأُمّية والمعاناة الاقتصادية وانتشار وباء الإيدز يشكّل أهم التحديات أمام مسلمي إثيوبيا؛ فالأمية كانت سببًا في عدم لعب المسلمين للدور الأساسي في البلاد بل سمحت للمنظمات التنصيرية بالعبث بالهوية الدينية لمسلمي إثيوبيا، مشددًا على أن وباء الإيدز يقضي سنويًا على آلاف الإثيوبيين ومنهم المسلمون، في وقت تقف الحكومة عاجزة عن مقاومته والبحث عن وسائل لمنع انتشاره.
وأبدى الشيخ إدريس مخاوفه على الهوية الدينية لمسلمي إريتريا بسبب المد التنصيري الذي يواجه كل ما هو عربي وإسلامي، مطالبًا الدول العربية والإسلامية بتقديم الدعم لمسلمي إثيوبيا. معتبرًا أن الوجود الإسلامي غير كافٍ بل مقتصر على بعض الخدمات الفردية.
وفي السطور التالية نناقش هموم مسلمي إثيوبيا مع مفتي البلاد الشيخ عمر إدريس:

مفتي أثيوبيا .. ننفض غبار سنوات طويله من المعاناه . Dial2

في البداية نرجو أن توضح لنا كيف دخل الإسلام إثيوبيا؟

مفتي أثيوبيا .. ننفض غبار سنوات طويله من المعاناه . Dial1

لقد وصل الإسلام الحبشة حتى قبل أن يصل إلى المدينة المنورة؛ إذ أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملكها النجاشي يدعوه إلى الإسلام، وكانت لهذه الرسالة آثارها الإيجابية على انتشار الإسلام؛ إذ أقبل أهل إثيوبيا عليه وتعاطف النجاشي مع رسل النبي -صلى الله عليه وسلم-لدرجة أنه رفض تسليم الرسل إلى قريش عندما أرسلت تطلبهم، ومنذ ذلك اليوم والمسلمون في تزايد على الرغم من الضغوط المتتالية التي مورست ضدهم في مختلف العصور، وصولاً إلى عهدي هيلاسي لاسي ومنتسجستو هيلاميرمام اللذين أعملا القتل والتعذيب والتصفية ضد المسلمين؛ سعيًا لتطهير الهضبة الإثيوبية من الوجود الإسلامي.

أغلبية مسلمة

ما هي أعداد المسلمين في إثيوبيا وأهم التحديات التي تواجههم؟

يشكل المسلمون أكثر من 55% من عدد سكان إثيوبيا البالغ أكثر من 68 مليون نسمة، ومع أنهم يشكلون الأغلبية إلاّ أنهم لا يحظون بنفوذ سياسي يتناسب مع هذا العدد الكبير، وهذا يعود إلى المعاناة الشديدة من نظم الحكم المتتالية، سواء في الإمبراطورية أو الجمهورية؛ إذ يُنظر إليهم على أنهم أعداء البلاد، ويقومون بتصفيتهم وهدم مساجدهم ومؤسساتهم الدعوية.
وعلى الرغم من تغير الأوضاع بعد سقوط النظام الشيوعي وصياغة دستور إثيوبي يسوِّي بين جميع الديانات، وتزايد اهتمام الحكومة الحالية بأوضاع المسلمين، وتبني خطط تنموية لمناطقهم إلاّ أن هذا الأمر لم يواكبه صعود سياسي للمسلمين أو تزايد لتمثيلهم في مجلس الوزراء وحكام الولايات.

تتحدث وكأن الأمر لا يعدو كونه شأناً تاريخياً على الرغم من أن معاناة المسلمين لا تزال مستمرة!

نعم سيطرة النصارى على الأوضاع السياسية في إثيوبيا تاريخية؛ فهم الحكام ورؤساء الوزراء ورؤساء البرلمان والمسيطرون على الجيش والمؤسسات العسكرية، ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد؛ فالمسلمون يعانون من عاملين أساسيين لضعفهم السياسي:
أولهما: تفشي الجهل بين أعداد كبيرة منهم وعدم إنهاء حتى المراحل التعليمية الأولية.
ثانيهما: شيوع الأمراض الوبائية في أوساط الشعب الإثيوبي، وأخطرها تفشي مرض المناعة المكتسب "الإيدز" الذي انتشر بين المسلمين، ويزيد من المأساة عجز حكومة البلاد عن مواجهة هذا الداء الذي يهدد بشكل قاسٍ الحياة في الهضبة الإثيوبية.

حديثك عن الأمية ذو شجون يجرّنا إلى الحديث عن أوضاع المدارس والمساجد باعتبارها تحمل دورًا تاريخيًا في حياة مسلمي إثيوبيا. فماذا عنها؟

أعداد المدارس محدودة في كل الأراضي الإثيوبية وخصوصًا في مناطق المسلمين، لدرجة أن مسلمي إثيوبيا قد اعتمدوا على المسجد كمؤسسة أولى لمكافحة الأمية، وقد لعب دورًا تاريخيًا في هذا الصدد، إلاّ أن أوضاع المساجد لا تقل حالتها سُوءًا عن المدارس، لدرجة أن أديس أبابا فقط كانت تضم في السابق أكثر من (160) مسجدًا، غير أن هذا لا يعني أن المسلمين قد استسلموا لهذه المشكلة بل إن هناك صحوة كبيرة في البلاد في الإقبال على التعليم بمختلف أنواعه، وكذلك على حفظ القرآن الكريم، انطلاقاً من قاعدة أن التعليم هو السبيل الوحيد لاستعادة المسلمين لوضعهم في المجتمع الإثيوبي.

من التعليم ننتقل إلى وضع اللغة العربية في إثيوبيا ووضعها الدستوري؟

تحتل اللغة العربية مكانة مهمة وسط إثيوبيا على الرغم من أنه غير معترف بها كلغة دستورية، ويكفي أن أقول لك إن عشرة من مسلمي البلاد يتحدث منهم ستة العربية بطلاقة، وقد سمحت الحكومة الإثيوبية الحالية بافتتاح مراكز التعليم العربية، وكذلك وافقت على إرسال مبعوثين إلى الخارج لتعليمهم في الدول العربية والإسلامية، غير أن نقص الإمكانيات والمراجع والمعلمين يقف حجر عثرة أمام انتشار العربية، ولكن جهودنا على الرغم من كل هذه الصعوبات مستمرة، وقد عقدنا مؤتمرًا للغة العربية العام قبل الماضي، وبحثنا خلاله كيفية المحافظة عليها وتطوير طرق تعليمها، وطالب المؤتمر كذلك الدول العربية والإسلامية بتقديم كافة أنواع الدعم للمحافظة على لغة القرآن الكريم ونشرها في البلاد التي يحتل فيها المسلمون الكتلة البشرية الأولى.

الاختراق التنصيري

الأمية وتفشي الأمراض يعطي فرصة سانحة لمنظمات التنصير لتعيث فسادًا في الأراضي الإثيوبية؟

نعم هذا دفع المنظمات التنصيرية التي استغلت الطابع العلماني للدولة وسعيها للظهور بمظهر الدولة المتحضرة لاختراق المجتمع، وهو ما تحقق بالفعل؛ إذ نجحت أكثر من مائة منظمة كاثوليكية وبروستانتية أشهرها على الإطلاق منظمة (شهود ياهو) وغيرها الكثير، و تستخدم هذه المنظمات أساليب متطورة، فمثلاً يستغلون الجهل والأمية بتقديم صندوق فارغ مكتوب عليه "صندوق محمد" والآخر مليء بالهدايا وعليه اسم "المسيح بن مريم" لإغرائهم باعتناق المسيحية، فضلاً عن التركيز على المناطق النائية في جميع أنحاء إثيوبيا لبناء مدارس ومستشفيات وتقديم إعانات للفقراء والمنكوبين، و يستغل هؤلاء معاناة إثيوبيا من الجفاف لبث سمومهم، غير أني أحب أن أؤكد أن هذه المنظمات على الرغم من إنفاقها لمليارات الدولارات إلاّ أنها لم تفلح في تحقيق النتائج المرجوة بسبب تمسك الإثيوبيين بدينهم الإسلامي الحنيف، والمقاومة الشديدة التي تبذلها الهيئات لإسلامية، على الرغم من ضعف إمكانياتها، وبتكثيف الدعوة عبر الأئمة المتطوعين، بل حققنا نتائج باهرة في هذا المجال، فقد نجحنا في اجتذاب أعداد كبيرة من الوثنيين لدخول الإسلام لدرجة أن ( Cool

من كل عشرة يعتنقون الإسلام، وليس أدل على هذا النجاح من اعتناق أكثر من (12) ألف إثيوبي للإسلام خلال العام الماضي فقط.

لكن هذا الجهد التنصيري الرهيب.. ألا يُواجه بوجود عربي وإسلامي مماثل؟!

هناك جهد عربي إسلامي، ولكنه لا يُقارن بالزحف التنصيري المتصاعد؛ إذ توجد أنشطة لرابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقية الكويتية، والمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، و تقوم هذه المنظمات بتقديم الدعم والإغاثة للملهوفين والفقراء عبر توفير الطعام وحفر الآبار، وإنشاء المدارس، وإقامة الدورات التدريبية للدعاة، وتطوير المدارس القائمة عبر التعاون مع دار الإفتاء والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، غير أن هذا الجهد ما زال قاصرًا، ويتراجع سنويًا بفعل الحصار المضروب على العمل الخيري، وهو ما يفسح المجال واسعًا أمام منظمات التنصير لتعيث فسادًا في البلاد المترامية الأطراف.

هل تقدم الدولة دعمًا ماليًا للمعاهد والمدارس لمواجهة هذا النقص الحاد في مناطق المسلمين؟!

الدولة علمانية، ولا تقدم دعمًا ماليًا للأنشطة الإسلامية، أما النصارى -وإن كانت الدولة لا تدعمهم- فإنهم يجدون من يقيم لهم المشروعات التي يُعدّ الهدف الأول من إنشائها جذب أبناء المسلمين لدخولها على أساس أن هذه المدارس قناة للتنصير، وتتلاعب بعقول أطفال المسلمين لتنفيرهم من الإسلام، كخطوة أولى قبل إقناعهم باعتناق النصرانية، وهذا ما يفرض تحديًا على الدول الإسلامية لزيادة الدعم المقدم لمسلمي إثيوبيا، ومضاعفة المنح المقدمة لأبناء إثيوبيا للدراسة في جامعة الأزهر وأم القرى وغيرهما من الجامعات الإسلامية.

قامت إثيوبيا باجتياح الصومال وأسقطت المحاكم الإسلامية. فهل يدل ذلك على وجود أطماع إقليمية لها في البلاد؟

بدون الدخول في التفاصيل أقول إن الدخول في الصراعات السياسية والقبائلية هي التي أدخلت الصومال في النفق المظلم، كذلك أمراء الحرب الذين باعوا بلدهم لمن يدفع الثمن، ومع هذا أؤكد أن الوجود الإثيوبي في الصومال لن يستمر طويلاً بل إن أديس أبابا ستدعم قيام مصالحة صومالية تعيد الوحدة إلى هذا البلد الذي يواجه حربًا أهلية منذ عام .1991

صلات وأواصر

هناك توتر يحكم العلاقات الإثيوبية الإريترية منذ مدة طويلة على الرغم من الصلات والأواصر بين الشعبين..!!

الخلاف بين البلدين سياسي بحيث لم يؤثر يومًا على العلاقات التاريخية بين الشعبين؛ إذ استمرت الصلات والمظاهرات بين القبائل المتواجدة على الحدود، ونأمل أن تُحلّ هذه الخلافات عبر المفاوضات السلمية لمعالجة كل الملفات، مع الوضع في الاعتبار أن الصراع العسكري لا يخدم مصلحة الشعبين في دعم مشاريع التنمية ومحاربة الفقر