السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المثل الثالث
وهو متعلق بما قبله
قال ابن القيم – رحمه الله –فصل:
ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر فتروقه بزينتها
وتعجبه
فيميل إليها ويهواها اغترارا منه بها
حتى إذا ظن أنه مالك لها قادر عليها
سُلِبَها بغتةَ أحوج ما كان إليها
وحيل بينه وبينها
فشبهها بالأرض الذي ينزل الغيث عليها
فتعشب ويحسن نباتها ويروق منظرها للناظر
فيغتر به ويظن أنه قادر عليها مالك لها
فيأتيها أمر الله
فتدرك نباتها الآفة بغتة
فتصبح كأن لم تكن قبل
فيخيب ظنه
وتصبح يداه صفرا منهما
فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء
وهذا من أبلغ التشبيه والقياس
فلما كانت الدنيا عرضة لهذه الآفات والجنة سليمة منها قال تعالى: {اللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ}
فسماها هنا دار السلام لسلامتها من هذه الآفات التي ذكرها في الدنيا
فعم بالدعوة إليها
وخص بالهداية من شاء
فذلك عدله
وهذا فضله.أهـ
فائدة:
قلت:
قال تعالى :{ إِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ }
"قال ابن كثير - رحمه الله - :
"أي: الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال لها ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد".
قال الشيخ الجليل ابن عثيمين _ رحمه الله _:
ومعنى الحيوان، أي: الحياة الحقيقية التامة الكاملة التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، فالقادر على أن يجعل العيدان اليابسة خضراء نامية، قادر على أن يحيي الموتى وبكلمة واحدة"
وانظر تفسير سورة الحديد له _ رحمه الله _
قلت:
" فإذا كانت الحياة (الدار) الآخرة هي الحياة الحقيقية،
والله تعالى يؤكد على ذلك،
إذن الحياة الدنيا حياة زائفة لا قيمة لها..."
فتأمل هداك الله لكل خير
من قبل أن تقول غدا:
(يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي).
[center]وقد نظمت في ذلك شيئا من الشعر _
أسال الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم ـ
أقول ... فأرعني قلبك وسمعك
وفقك الله لما يحبه ويرضاه
1 آثَرْنا الدُّنْيا إخْوَانِي وَرَضِينَا بِزُخْرُفِها الفَانِي2 وَتَنَافَسْنَا فِيهَا طَوِيلا وَخُدِعْنَا بِزَيْفٍ فَتَّانِ
3 كَمْ مِنْ حيٍّ عاشَ عَلَيْها لَمْ يَخْرُجْ بِسِوَى الأَكْفَانِ4 سَيُنَازِعُهُ الدُّودُ عَلَيْهَا وسَتَسْقُطُ مِنْهُ العَيْنَانِ
5 كَمْ مِنْ مَيْتٍ شَيَّعْنَاهُ وَالْتَفَّتْ مِنْهُ السَّاقَانِ6 أَيْنَ هِرَقْلُ عَظِيمُ الرُّومِ ؟ أَيْنَ الْمُلْكُ مِنْ السَّاسَانِ ؟
7 بَلْ أَيْنَ الْمُخْتَارُ مُحَمَّدْ ـ خَيْرِ الْخَلْقِ بِذِي الأكْوَانِ ـ ؟8 قد بات قريبا موعدنا مرتهن منه النفسان
9 قد بات بلا شك قريبا أقرب من جلد الإنسان10 سيحل بك الموت لزاما فليستيقظ ذو الرجحان
11 من قبل مطالعة القبر فيجيئك فيه الملكان12 آه من سوء مطالعهم بسؤالهما ينتهران
13 فاعمل في دار ضيافتك لتفوز بحل السؤلان14 واصحب أهل الفضل لتبغي تبغي الثقل من الأوزان
15 لا تبغ شقيا يرديك في مشئمة تختصمان16 واغنم من غربتك بعمل قد ينجيك من النيران
17
دار الخزي لكل مهين طاغ من حزب الشيطان18 إن كل إلا واردها أمم من إنس أو جان
19
فلتتذكر أنك عبد لله الفرد الديان20 ولتحيا حياة يرضاها فلتحيا حياة الضيفان
21 إن أنت حييت كما يرضى فستنعم حقا بجنان22 حق قد أوجبه لعبد لم يعبد غير الرحمن
23
دع عنك حياة زائفة ولتغنم دار الحيوان24 دار الخلد لكل كريم ممن ثقل به الميزان
25 وستنعم فيها بظلال دانية منها الأفنان26 نعم الفوز تمام المنة وستسمع صوت المنان
27 عبدي هل أرضيتك حقا ؟ هذا فضل عظيم الشان28 ربي يا أفضل من أعطى فضل من رب رحمان
29
لا تشبهها تلك الدنيا فالأمر له شأن ثان30 إن أنت أردت بها فوزا فعليك بهذا القرآن
31 وعليك بسنة أسوتنا و بمن سلف على الإيماننسأل الله السلامة والهدايه
آمين