لمحة من تاريخ الإساءة إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم
ترجع بدايات الإساءة إلى مبادئ الدين الإسلامي وبالتحديد الإساءة إلى شخصية الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه إلى بدايات ظهور الإسلام في مكة.
وقد كانت أول الإساءات الشخصية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قد وجهت له من قبل مشركي مكة الذين كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها أندادا من دون الله تعالى. ونحن في هذه المقالة نعرض لمقتطفات تاريخية لما تعرض له شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من إساءات لنبين أن هؤلاء لم يأتوا بجديد وإنما يسيرون على درب إخوانهم من الكافرين والشانئين المبغضين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
***فترة بدء الدعوة الإسلامية
في بداية الدعوة لما أنزل الله أمره لنبيه بقوله: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ} {سورة الشعراء} قام صلى الله عليه وسلم بجمع قومه وإبلاغهم بأنه رسول من عند الله تعالى وأنذرهم كما أمره ربه، وكان فيهم أبو لهب، فلما أخبرهم بما أنزل الله عليه قال: تباً لك، ألهذا جمعتنا، وما زال أبو لهب هو وزوجته أم جميل أروى بنت حرب (حمالة الحطب) من المجاهرين بالظلم والإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به، وفيهما نزلت سورة المسَد.
واستخدم مشركو مكة العديد من الأساليب لمحاربته والطعن في شخصيته. ومن هذه الأساليب السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب، وإثارة الشبهات وتكثيف الدعايات حيث وصفه البعض بأنه مصاب بنوع من الجنون، وأحيانا قالوا: إن له جنًا أو شيطانًا يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان، وكانوا يعملون للحيلولة بين الناس وبين سماعهم القرآن ولكنهم لما رأوا أن هذه الأساليب لم تجد نفعًا في إحباط الدعوة الإسلامية، ولما رأوا الناس يقبلون على الدخول في الإسلام بدءوا بتعذيب المسلمين وفتنتهم عن دينهم، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام وقام البعض بالتطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك عدة محاولات لاغتياله.
ومن هذه الإساءات ما حدّث به عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس وقد نحروا جزورا لهم، فقال بعضهم: أيكم بأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى وجده ساجدا فيضعه على ظهره، قال عبد الله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث، فأمهله، فلما خر ساجدا وضعه على ظهره، فأخبرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلما فرغ من صلاته قال: اللهم عليك بقريش](صحيح النسائي). وكان الذي وضع سلى الجزور على ظهره الشريف هو عقبة بن أبي معيط.
وكان من أشد الناس أذى للدعوة ولرسولها أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه، فأنزل الله فيه: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}. وقد مشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلوات الله عليه بعظم بال قد ارْفتَّ، فقال: يامحمد، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ، ثم فتَّه في يده، ثم نفخه في الريح؛ فقال رسول الله صلوات الله عليه: نعم، أنا أقول ذلك، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا، ثم يدخلك الله النار. فأنزل الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}{يس: 78،79}.
ومنهم ابن الزبعرى الذي كان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من الشعراء فكان يهجوا الإسلام ورسول الإسلام، ومنهم أيضا العاص بن وائل والوليد بن المغيرة.
***أحقاد اليهود
وبعد انتشار الدعوة الإسلامية في المدينة بدأت أحقاد اليهود تظهر وألسنتهم تنطلق بالباطل في اتهام صاحب الدعوة: فاتهم بعض اليهود الرسول محمدًا عليه الصلاة والسلام بأنه اقتبس القرآن من أحكام التوراة، واتهموه بأن له أطماعا شخصية في بسط هيمنته على المدينة، وأنه ولغرض زيادة معرفته بالديانة اليهودية قام بمصادقتهم والتقرب إليهم وقام بتقليد طقوسهم خصوصا التوجه لقبلتهم بيت المقدس. ولكنه ارتد عليهم بعد ذلك. وقد كان اليهود يسيئون للإسلام وأهله، وقد كتب شعراؤهم قصائد في هجاء الإسلام والرسول والتشبيب بنساء المسلمين كابن الأشرف وغيره، ودعوا المشركين لمحاربة الدين الجديد والقضاء عليه، وحاول اليهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم مرات فأخزاهم الله وكانت العاقبة عليهم في الدنيا ويلحقهم الخزي في الآخرة إن شاء الله.
***والنصارى على الطريق